الخميس، 28 يناير 2016

كائن صيفي... أدب ساخر بقلم: ياسر الششتاوي

طوال النهار لم أكتب ولا أي سطر، وهذا الأمر غريب عليّ، فالأفكار عندي تنسال انسيالاً, لدرجة أنني لا أجد الوقت الذي أكتب فيه كل ما يمر برأسي، وكثيراً ما فكرت أن أتفرغ للكتابة ، وللكتابة فقط ، فأنا أشعر أن رأسي كخزان أفكار ، أشبه بخزان المياه الذي يوضع فوق سطح البيوت، أفتح حنفية أفكاري كل يوم، وأسكب على الورق ما تيسر لي ،ويظل الخزان ممتلئاً كما هو!
في هذا اليوم الغريب نظرت في الخزان، فلم أجد ولا قطرة من أي فكرة، هل حدث في الخزان ثقب، أين ذهبت الأفكار؟! ككن للأسف لو وجدت الأفكار لن تجد من يكتبها، فأنا تحت بطاطيني التي تشبه التل الكبير فوقي، قد دفست رأسي، كي لا يتسلل إليّ هذا البرد القارص، فكيف سوف تدخل لي الأفكار من فوق تلك البطاطين التي تشبه الساتر الحربي ، ثم تدخل رأسي ، ثم أجد الحماسة ، كي أكتبها، إنها معضلة فعلاً.
طوال عمري وأنا أحب النوم، أنا إنسان كسول لأبعد حد، لولا الكتابة ، وما تحفزني عليه من نشاط ،لم أكن لأعرف كيف كنت سأقضي حياتي، أكيد كنت سأقضي أغلبها في عميق أشبه بنوم أهل الكهف.
أخيراً جاءت على رأسي فكرة ، أخيراً جاء الماء إلى الخزان بعد انقطاع محزن، ولكنني تحت البطانية، ظلت الفكرة ترادوني حتي أقوم ، وأكتبها، ولكن الجو ما زال يسرف في البرودة، فأخرجت يدي شيئاً فشيئاً من تحت البطانية، لأقيس درجة برودة الجو، ثم أدخلتها بسرعة، وكأن البرد كلب عض يدي، لن أقوم ، سوف أحتفظ بالفكرة في رأسي، وأكتبها بعد حين، ولكن هناك مشكلة ، فعندما أترك بعض الأفكار في ذهني ، ويتم تأجيل كتابتها، قد تضيع ، ولا أجدها مرة أخرى، ويتبخر ماؤها من الخزان صاعداً إلى طبقات النسيان العليا !
ما هذا البرد الشديد! الله يكون في عون من يسكنون في أوروبا ، ومن يعيشون تحت الصفر بعشرات الدرجات أعتقد أنني لو كنت من سكان تلك الأماكن لتفحمت من شدة البرودة، أنا لا أطيق البرد، أنا كائن صيفي ، أنا كائن صيفي!
تأتي مشكلة أخرى سوف تخرجني من تحت البطانية عنوة، إنها زوجتي، تعد الطعام في نشاط وهمة، أحسدها عليها، ولا يمكن أن يذهب هذا المجهود هباء ، ولا تجد من يأكل ما أعدت، ثم تقول لي ساخرة ، تعال كي تأكل كي تقدر أن تنام !!
أتناول الطعام بسرعة ، مشتاقاً إلى بطانتي ، كأنني في صراع مع الأكل، أنسف الطعام نسفاً، وأشبع قبلهم جميعاً، وعندما أود الذهاب إلى عريني الدافئ ، تستحلفني زوجتي كعادتها أن أجلس معها حتى تنتهي من طعامها ، فهو كم تقول أنني أفتح نفسها على الأكل ، ولكن لشدة البرد هذه المرة، لأول المرة أشعر أنني كمخلل لزوجتي!!
أمممممممم أنا مخلل ، أنا مخلل.
يالها من فكرة ، لكنها يجب ألا توضع في الخزان، وإنما يجب أن توضع في برطمان!!